"يتحدث البعض أحيانا عن "وحشية" قسوة الرجل, ولكن هذا غير عادل ومسيء بشكل رهيب للوحوش, لا يمكن أن يكون هناك حيوان قاسٍ أكثر من رجل بدهائه وتفننه بالقسوة."
فيودور دوستويفسكي
هذا المقال لا يهدف بأية طريقة إلى تبرير قسوة الإنسان ولكن لتعزيز الإنسانية عن طريق لفت الانتباه أن " الطبيعة البشرية ليست كليا تحت سيطرة ما نشير إليه بالإرادة الحرة , ولكن الغالبية العظمى منا يمكن استدراجه الى التصرف بطرق شاذة بعيدة تماما عمّا نعتقد " (فيليب زيمباردو ) ، ولذلك علينا أن نكون على علم به ، وتطوير القدرة على التحكم بنوايانا ومقاومة النفوذ الاجتماعي المقنع
أجرى عالم النفس البروفيسور فيليب زيمباردو وزملاؤه تجربة سجن ستانفورد التي كانت تهدف للتحقيق في تطور مبادئ المعايير وآثار الوظائف, والعلامات والتوقعات الإجتماعية في بيئة سجن متصنع. التجربة كانت من المفترض أن تستمر لمدة أسبوعين ولكن بعد ستة أيام فقط انتهت فجأة، بسبب سلسلة من الانهيارات النفسية، و تفشي السادية و الإضراب عن الطعام.
وضع فريق البحث إعلانات في صحف بالو ألتو تايمز و ديلي ستانفورد عرضاً بـ 15 $ / اليوم للذكور من طلاب الجامعات لدراسة سجن علم النفس: قد تم اختيار 24 طالب معظمهم من البيض, ومن الطبقة الوسطى:وتم اختيار 12 شخصا منهم للعب دور السجناء و 12 للعب دور الحراس. ولم يكن لهؤلاء الطلاب سجل مسبق من الاعتقالات الجنائية ، والظروف الطبية ، أو الاضطرابات النفسية.
أجرى قسم الشرطة بالو ألتو المحلي اعتقالات مفاجأة في منازل " السجناء". كبلت أيدي الطلاب , وفتشوا , وقرأت حقوقهم, وأخذوا في سيارة الشرطة الى مركز الشرطة للحجز وأخذ البصمات, وتم اتهامهم بالسرقة.
لم يعط للحراس إلا القليل من التوجيه الموجز ان عليهم الحفاظ على القانون والنظام ، وتجنب العنف الجسدي ، و منع هروب السجناء. تم تزويدهم بالهراوات الخشبية من أجل توطيد مكانتهم، وملابس مشابهة لتلك التي لحراس السجن الفعلي و النظارات الشمسية المعكوسة لمنع اتصال العين. ارتدى السجناء أثواب غير مريحة وغير مناسبة وقبعات، وأيضا سلسلة حول كاحل واحد. صدرت تعليمات للحراس بمناداة السجناء بأرقام معينة منسوجة على زيهم بدلا من أسمائهم.
كما ذكر البروفيسور زيمباردو ، " في اليوم الأول الذي جاءوا فيه كان هناك إعداد صغير للسجن في دور سفلي مع أبواب خلية وهمية و اليوم الثاني كان سجناً حقيقياً خلق في أذهان كل سجين ، ولكل حارس وللموظفين أيضا". أصبحت المحاكاة حقيقية ، وأصبح الحراس مسيئين جدا ، لدرجة أن هذه التجربة كان لا بد من إيقافها بعد 6 أيام فقط بدلا من الأسبوعين المخططين لها. قد قال البروفيسور زيمباردو: "فجأة ، تغيرت الديناميكية كلها عندما اعتقدوا أنهم كانوا يتعاملون مع سجناء خطرين ، وعند هذه النقطة لم تعد هذه مجرد تجربة " .
يبدو أن سلوك الحراس المسيء قد نجم عن شكل الوضع الحاصل وليس من شخصية الحراس. قال زيمباردو أن كلا من السجناء و الحراس قد أضافوا أدوارهم الذاتية. لم يجبر أحدا منهم على التصرف بطريقة معينة، وكانت لديهم الحرية التامة للانسحاب من هذه التجربة في أي وقت. ومع ذلك ,لم يغادر أيا من الحراس التجربة قبل إنتهاء وقتها، في حين تم الإفراج عن نصف السجناء في وقت مبكر نظرا لردود الفعل العاطفية أو المعرفية الشديدة.
وتشير نتائج التجربة أن الوضع ، وليس الشخصيات الفردية هي التي سببت سلوك المشاركين.
قال البروفيسور زيمباردو : " هذه الدراسة هي الوصف الكلاسيكي بأن قوة الأوضاع والنظم تطغى على النوايا الحسنة لدى المشاركين و تحول الشباب العادي الى حرس سادية أو لأولئك الذين يلعبون دور السجناء الى انهيارات عاطفية ".
يقدم زيمباردو التفسير النفسي لكيفية ارتكاب الناس العاديين أعمال غير متوقعة في بعض الأحيان ، وما هي السبل الممكنة لتفاديها. ويقول إن السلوك الأخلاقي يمكن زراعته في وقت مبكر من الحياة عن طريق مكافأة السلوك الإيجابي.
انه يسلط الضوء على بعض الأفكار التي يمكننا أن ندخلها في حياتنا الخاصة وفي مصالح أطفالنا.
كما انه يعطي مجموعة من النصائح العامة حول كيفية التحول الى شخص أكثر تأثيرا ودهاءً.
إذا أخذنا في الاعتبار أن بعضاً من هذه المبادئ النفسية العامة يمكننا أن نبرز المفيد والقضاء على السلبيات في حياتنا. في نهاية اليوم، وبصرف النظر عن خلفية مواقفنا الأثنية أو الاجتماعية أو الدينية، "الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي يرفض أن يكون ما
(هو عليه". (ألبير كاموس
الدكتورة اناستازيا بوريمولوفو
مستشارة نفسية